قصر الصانع
ولهذا الضريح قصة رائعة هي أقرب بالأسطورة ويتم تناقلها على شكل واسع بين أبناء العلا وهم يؤمنون بها وغيرها الكثير من القصص ، بل إن مجرد مناقشتهم في صحتها يعد مشكلة كبيرة ، ولا لوم عليهم أبداً إذ أن أغلب المناطق التي تتوفر فيها حضارات ضاربة في القدم ، لابد وأن ينشأ لديهم العشرات من القصص والأساطير وواجبنا نحوها أن نحترمها فهي تُعد ثقافة لا يستحقرها إلا جاهل أو أحمق .
هذه القصة سمعتها من أكثر من شخص تعبتُ كثيراً حتى حصلتُ على بيتي الشعر الموثقان للقصة .
" كان هناك شيخاً حدري لديه فتاة في غاية الحسن والجمال اسمها بثينة، وحتى يبعدها عن نظرات الرجال حبسها في قمة الجبل الذي يُسمى الآن بقصر البنت وكان الشيخ يسكن بنفسه عند سفح هذا الجبل .
وعلى الرغم من كل الاحتياطات التي بذلها الشيخ المسن في الحفاظ على بنته بثينه إلا أنه قد نجح صانع حرفي في رؤية الفتاة الشابة واستطاع التحدث معها .. ثم مالبث أن أحبها وبحث معها عن وسيلة وطريقة توصله إلى مسكنها ..
استطاعت الفتاة في إحدى الليالي أن تدلي من الجبل حبلاً مجدولاً من شعرها وهكذا استطاعت أن تسحب الصانع الحرفي إليها .. أخذ الصانع يتردد على بثينة في كل مساء تحت أجنحة الليل المظلمة ويهرب عند أول خيط من أشعة الصباح .
ما لبثت بثينة طويلاً حتى حملت من الصانع وحتى تزيل ملل الأيام كونها وحيده في مكان معزول .. أخذت تردد بيتين من الشعر تقول فيهما وهي خائفة من الفضيحة :
وويل الحدري لو يدري = بثينة عشـرت بـدري
يا حدري لو أنك تدري = ضربت رأسك بالجدري
doPoem(0)
سمع الجيران ما تردده بثينه وأدركوا أن بثينة حامل من أحدهم ولم يترددوا أبداً في إخبار الحدري ..
قام الحدري بالقبض على الصانع وجاء به عند بثينه وسحبهما إلى قمة جبل قريب ، ثم مالبث أن قام بذبحهما وساح دم العاشقان من أعلى الجبل والذي لا يزال يُشار إليه إلى الآن من قبل أهل العلا بأن هذا الدم يعود للصانع وبثينه .
وعلى ضوء هذه القصة سمي الجبل الذي يقع فيه الضريح الماثل أمامكم بقصر الصانع
قصر الصانع وتُشاهدون الدم يسيح من أعلى الضريح كما ذكرتـ لكم في القصة قبل قليل .
قصر البنتويُسمى أيضاً قصر البثينة والسبب في ذلك يعود للقصة التي ذكرناها قبل قليل فلقد كانت بثينة محبوسة فوق قمته ثم أخذت وقتلت هي وعشيقها وقتلا فوق قصر الصانع .
هذا الجبل يُعد من أروع ما قدمه وخلفه الإنسان النبطي .. فهو الأكثر روعة من ناحية السمات المعمارية والفنية بل وحتى الاجتماعية التي عرف عنها الشيء الكثير من خلال النقوش الوفيرة التي تتقدم كل ضريح في هذا الجبل .... في الحقيقة لا أعلم كم يبلغ عدد الأضرحة في هذا الجبل إلا أن الأكيد بأنها تتجاوز العشرين ضريحاً تلف الجيل من كل جهاته الأربع مكونة بذلك منظراً لا يملك الزائر حياله إلا أن يقف متعجباً ومتهولاً لعظمة ما خلفه الأنباط في قصر البنت .
مجموعة الأضرحة والمقابر النبطية تُشاهدونها على قصر البنت وهي تشكل منظراً جمالياً بديعاً ... كما تُلاحظون على يسار الصورة ضريحاً ضخماً في أعلى الجبل لم يتم إكمال بناءه ولو حصل ذلك لكان أكبر حجماً من قصر الفريد إلا أنه يبدوا والله أعلم بأن صاحبه أو النحات الذي كان يصنعه قد توفي أثناء البناء مما أجبرهم على التوقف .
هذه واحدة من أجمل المناظر في قصر البنت وهي لثلاثة قبور متجاورة تتشابه في كل سماتها المعمارية والفنية .
الذكي منكم لو ركز في هذه الصورة جيداً وحاول الإستنتاج فسوف يعرف بكل تأكيد كيف كان النحات النبطي يقوم ببناء القبر والطريقة التي كان يتبعها في ذلك .وركزوا على الضريح الصغير الواقع على يسار الصورة .
في الصورة أعلاه تُشاهدون فوق باب المقبرة نسراً فارداً لجناحيه وهذه تجدها بصورة مستمرة في كافة المقابر النبطية وكافة هذه النسور منزوعة الرأس ولهذا قصة عجيبة ومبكية في ذات الوقت
سبق للجيش السعودي أن عسكر في أوقات قديمة في منطقة الحجر ولعل الجنود يحصل بينهم شيء من التحدي في دقة التصويب .. وبدل أن يضعوا لهم شيئاً خاصاً يقومون بتصويبه .. كانت رؤوس هذه النسور المسكينة هدفاً رائعاً ومسلياً في نفس الوقت ... والمشكلة لا تكمن في تساقط رؤوس النسور .. بل المشكلة أعظم من ذلك بكثير .. إذ أن النقوش التي توضع كـ توثيق للمقبرة تقع فوق النسر دائماً ولو نظرتم للصورة السابقة ستجدون ان النقش قد تأثر بالفعل . بسبب إطلاق النار .